بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }
صدق الله العظيم
نَعِي العالِم الدكتور نَزار عَبد اللّطِيف الحَدِيثي
تلقىّ مكتب الثقافة والاعلام القومي خبر انتقال العالم العروبيّ الاصيل الاستاذ الدكتور نزار عبد اللطيف الحديثي الى جوار ربه، بألم عميق مقرون بالرضا بأقدار الله وبقناعة راسخة ان العلماء لا يموتون فهم أحباب الله وبعض اشراقات أنواره على البشرية تنير العقول وترشد السائرين في دروب الحياة والساعين الى العلياء فيها وفقيدنا الغالي واحد منهم بإذن الله .
توزع عطاء الرفيق الفقيد رحمات الله تغشاه فشمل النضال القومي والانتاج الاكاديمي والفكري والإداري. وعم ساحات الوطن العربي ابتداءً من العراق حيث موطن ولادته وشبابه ونضاله وتعليمه واحتضان مواهبه التي اختارت النضال الوطني القومي التقدمي عنواناً بارزاً لعطائه، والتاريخ تخصصاً علمياً فغار في أعماقه وسطوحه مبدعاً متفرداً واختط لنفسه نهجاً أكاديمياً في التعاطي مع أحداثه ومع استثمارها لاثبات صحة الفكر والعقيدة البعثية التي تدعوا الى بعث مقومات حضارتنا العربية كاحد قواعد نهضة الامة المعاصرة، فكلل تاريخه الشخصي
والوطني والقومي العروبي عبر حقب التاريخ التي اختار انارتها بعلمه وبحثه. فكان مناضلاً ميدانياً شجاعاً جريئاً لا تأخذه في الحق لومة لائم، ومفكراً بارعاً سخر علمه لخدم امته العربية فشملت فعالياته العراق ومصر واليمن والاردن وغيرها من الاقطار العربية.
ولغزارة وعمق علمه تبوأ موقعه في المجمع العلمي العراقي واصبح عميداً لكلية الآداب العريقة ثم عميداً لكلية التربية في جامعة بغداد. وبعد ذلك اعتلى إدارة وعمادة المعهد العالي للدراسات والبحوث القومية والاشتراكية في الجامعة المستنصرية وهو المعهد الذي شهدت مسيرته انتاج المئات من الأطاريح العلمية وخرّج الكثير من القادة والمفكرين قبل أن تغزو جيوش الأحقاد والضغائن والتآمر الأسود الامبريالي والصهيوني والفارسي العراق وتحتله، لينتقل الفقيد حاملاً شرف الموقف والثبات على مبادئ الوطن والأمة الى صنعاء العروبة والأصالة ليصول ويجول في جامعتها ويشرف على العديد من طلاب علم التاريخ ويخرِّجَهم ليظلوا بعض شهود على مسيرته الخالدة.
لقد احتضنته صنعاء وأهلها بإجلال وكرم ومحبة وفتحت جامعتها صدرها له ليتسلم رئاسة قسم التاريخ في كلية الآداب ويصنع هناك مآثر امتدت حتى وصلت قلب الجنوب العربي وبحرها في مدينة عدن وجامعتها.
عُرِفَ الرفيق الدكتور نزار إنساناً بحجم وطن، ثابت الجنان لا تتزعزع في داخله المبادئ التي ترعرع في رياضها وبساتينها الوارفة، ودوداً لا تثلم الرزايا وجور الأيام اشراقات وجهه الكريم، واصلاً لا يقطع وصله أبداً بأصدقائِه ومعارفِه لا في سرّاء ولا في ضراء، حاضرا للإجابة على احتياجات طلابه وزملاءه، فلم يرد سائلا ً
ولا يخدش حياءً ولا يكسر خاطراً. كان رحمة الله عليه شجاعاً في بيان مواقفه وابداء آراءه فلا يجامل في حق انسان ولا وطن ولا أمة. كان جزيلاً ،اذا انتقد ينتقد بمحبة وصفاء وشفافية ونزاهة، واذا أشاد فانه يشيد بوقائع ووثائق رجل التاريخ الفذ .
وفي الوقت الذي خسرت فيه الساحة النضالية والعلمية والأكاديمية ومدارس التاريخ وحشد الأخيار في الأمة العربية كلها قامة باسقة كنخل العراق، معطاءة كرافديه الخالدين عميقة بعمق عقيدة الأمة وأهدافها السامية، فان الامل يبقى معقود على الاجيال الشابة التي ترنوا الى عطائه كمثل اعلى فاليقين انه قد صنع لذاته في حياته ما لا يمكن الغاء حضوره من أبحاث وكتب ومحاضرات وسيبقى طلابه ومحبيه ومعارفه يذكرونه ويحذون حذوه في الابداع والتفاني والتميّز.
تحية طيبة مباركة لروحه رفيقاً وأخاً ومعلماً سيبقى عطاءه منارة للاجيال كي تحذوا حذو امثاله في العطاء الرصين والعلم الغزير وكيفية تسخيره لخدمة وطنهم وامتهم . وندعو العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وان يجعل مقامه الابدي في الفردوس الأعلى، وان يلهمنا وأهله وذويه صبراً جميلاً وانا لله وانا اليه راجعون.
مكتب الثقافة والإعلام القومي
20/9/2024